السلام عليكم
لكل مهنة من المهن مشكلاتها
لكل مهنة من المهن مشكلاتها التي تتفاوت من البساطة إلى التعقيد ، وتشترك مهنة التعليم مع المهن الأخرى في هذه الخاصية ، إذ يواجه المعلمون في الميدان مشكلات يومية متنوعة ، خاصة إذا تذكرنا أن المعلم هو صاحب المهنة التي تتعلق بالهندسة البشرية ، فهو يتعامل مع أناس مختلفين في ثقافاتهم وبيئاتهم وطباعهم وأعمارهم وليس مع آلات متشابهة في تركيبها أو ميكانيكية عملها.
وإذا استعرضنا هذه المشكلات ،نجد أن بعضها يهم المعلم المبتدى أكثر من زميله الذي أمضى في ممارسة المهنة دهراً من الزمان، كما أن بعضها الآخر يهم جميع المعلمين القدامى منهم والمبتدئين على السواء.
وتجدر الملاحظة أن بعض المشكلات قد لا تواجه المعلم في يومه الأول أو في عامه الأول، و إنما في عدة سنوات، وهكذا يظل المعلم جديدا على المهنة فيما يتعلق بمثل هذه المشكلات، وقديماً في الوقت ذاته بالنسبة لمشكلات أخرى.
ولذا سوف نستعرض في هذا الفصل بعض المشكلات التي يتردد الحديث عنها في الأوساط التربوية انطلاقا من اقتناعنا بأهمية معرفة المعلم لهذه المشكلات في وقت مبكر من تاريخه المهني، فمعرفة المعلم لهذه المشكلات قبل وقوعها يقلل من أثارها السلبية عليه ، كما يساعده على التفكير في الحلول المناسبة دون حيرة أو ارتباك، وسوف يكون استعرا ضنا لهذه المشكلات على قسمين يتناول :
- القسم الأول المشكلات العامة التي تهم جميع المعلمين
- القسم الثاني على المشكلات المعلم المبتدئ .
- المشكلات العامة لمهنة التعليم
يواجه المعلم في أثناء حياته المهنية بعض المشكلات التي تتصف بالتكرار والعمومية، ويواجهها معلم الدراسات الإسلامية كما يواجهها معلم التربية الفنية، ومن هذه المشكلات الفجوة بين النظرية والتطبيق، وانصراف الطلاب عن الدرس، والاعتقاد بأن المعلم مصدر المعرفة والتدريس في وجود زائر .
وسوف نتعرض فيما يلي لهذه المشكلات بشيء من الإيجاز .
أولاً/ الفجوة بين النظرية والتطبيق:
إن واحدة من أهم وأبرز المشكلات التي تواجه المعلم هي الفجوة بين النظرية والتطبيق ونقصد بذلك التفاوت الكبير بين ما يسمعه المعلم عند دراسته في الكليات أو في الدورات التدريبية من مبادئ ونظريات تربوية مثالية، وبين ما يجده مطبقا في بعض المدارس من أساليب تقليدية (غير تربوية فهو يسمع ويقرأ عن طريق التدريس التي تهتم بنشاط الطالب وقد يجد في المدرسة طرق التدريس التي لا تهتم ألا بنشاط المعلم ويسمع عن إرشاد الطلاب باللين والنصيحة وربما يجد في بعض المدارس أن إرشاد الطلاب لا يتم إلا بعصا .
ولا شك أن مثل هذه التفاوت والتباين بين ما هو نظري مثالي من جهة وما هو عملي قائم من جهة أخرى ، ويثير كثيراً من التساؤلات في نفس المعلم الممارس لمهنة التدريس، وليس لدينا ما نوجهه إليك من نصح في هذا المجال إلا أن نقول لك :" ابدأ بنفسك " فإذا بدأت بنفسك في إتباع ما درسته من مبادئ ونظريات تربوية، فسوف تضع نفسك على أول الطريق السليم وليس لك إلا الصبر، والتمسك بالعمل الجاد الملتزم، وبما درسته وتولدت لديك اقتناعات به، وذلك في صمت ومثابرة حتى توفق بإذن الله .
ثانيا/ انصراف الطلاب عن الدرس :
في أحيان كثيرة يجد المعلم طلابه منصرفين عن الاهتمام بموضوع الدرس وقد تدور بينهم أحاديث جانبية من آن لآخر، وتسبب هذه المشكلة إزعاجاً كبيراً للمعلم القديم والجديد على حد سواء.
والسبب الغالب لظاهرة انصراف الطلاب عن درس المعلم وهو فقدان اهتمامهم بهذا الدرس وانعدام الدافعية للتعليم مما يجعلهم يفضلون الاهتمام بأمور أخرى أكثر تحقيقاً لحاجاتهم سواء المعرفية أو النفسية أو غيرها باحثين عن النشاطات التي يعتقدون أنها أكثر جدوى وفائدة لهم، فينشغلون في قراءات أخرى، أو يعمدون إلي أحاديث جانبية عن المباريات والأندية واللاعبين .....الخ.
وقد تكون قلة خبرة المعلم هي السبب في ذلك، فغالباً ما يكون غير متمكن من أساليب الإثارة والتمهيد التي يقدمها في بداية الدرس لجذب انتباه الطلاب، وإثارة اهتماماتهم ودوافعهم الداخلية للتعلم، هذا فضلاً عن عدم تمكنه من مهارات التدريس الأخرى الخاصة بالتفاعل مع الطلاب فيفشل في إشراكهم في دائرة التعليم، ومن ثم ينصرفون عنه ، وحتى يتمكن المعلم من علاج هذه المشكلة يمكنه تجريب النصائح التالية:
1. التدريب على مهارات الإثارة، واستخدام المواد والأجهزة التعليمية، وقد يتعاون المعلم مع بعض زملائه الذين يكلفهم بملاحظة تدريسه وتقديم التغذية الراجعة له دون أن يجد في ذلك حرجاً أو غرابة، فكلنا يعمل دون كلل لتحقيق المنفعة للمتعلم داخل المدرسة .
2. التخلي عن التفكر التقليدي واستبدال فكر جديد به فإن ذلك يجعل الطالب محور العملية، ويحرر فكره، ويشغل طاقاته في عملية التعليم .
ثالثا/ الاعتقاد بان المعلم مرجع شامل للمعرفة
هناك اعتقاد سائد بين كثير من الناس ومن بينهم الطلاب بان المعلم ينبغي أن يكون مرجعا شاملا للمعرفة وهذا غير صحيح، وإذا أن وظيفة المعلم في واقع الأمر تتمحور حول تنظيم وتسهيل عملية تعلم الطلاب، ليتمكن كل طالب من تأدية مهام التعليم بنجاح ويودي هذا الاعتقاد الخاطيء إلى توجيه بعض الأسئلة من قبل الطلاب للمعلم وقد يكون القصد من هذه الأسئلة كشف قدرة المعلم على الإجابة عنها وفي مثل هذه الحالة يمكن للمعلم إتباع احد الأساليب التالية :
1. استقبال السؤال باهتمام وأعاده توجيهه إلى جميع طلاب الصف وحثهم على التفكير في حله.
2. التوضيح للطلاب أن يعلم كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى، ثم تحويل السؤال إلى بحث يجريه الطالب بمفرده أو مع مجموعة من زملائه الطلاب.
3. الإشادة بالطالب السائل وبما لديه من اهتمامات معرفيه متنوعة مع بذل الجهد في الحصول على الإجابة الصحيحة من المصادر المتاحة .
رابعا/ التدريس في وجود زائر :
مشكلة التدريس في وجود زائر مشكلة عامة منتشرة بين المعلمين المبتدئين والمخضرمين على السواء إلا أنها تكون أكثر حدة في حالة المعلم حديث العهد بالتدريس.
وتتمثل مظاهر هذه المشكلة في الارتباك الشديد عند دخول زائر مثل المشرف التربوي أو مدير المدرسة لملاحظة المعلم في غرفة الصف وفي أحيان كثيرة يكون المعلم على درجة عالية من الكفاءة ويتبدل حالة فجأة عند دخول زائر فينطق بعبارات غير مترابطة ويسوق أمثلة في غير محلها ويذكر معلومات خاطئة ويجيب عن الأسئلة بإجابات بعيدة كل البعد عن الحقيقة.
ولعل وضوح الهدف من وجود المشرف التربوي أو مدير المدرسة ...الخ، يلغي وجود مثل هذه المشكلة، حيث يتفق الجميع على أنه لا صلاح تعليمية دون تقويم، ومعرفة جوانب القوة والضعف فيها، والمعلم من أهم عناصر العملية التعليمية فهدف المشرف التربوي آو مدير المدرسة أو حتى الزملاء تقويم المعلم ومحاولة تدعيم جوانب القوة عنده ومعالجة جوانب الضعف بغية الوصول إلى الأحسن لصالح المعلم والفرد، وبالتالي لصالح المجتمع .
فليس الهدف من آلية الإشراف تصيد أخطاء المعلم والعمل على إرباكه، وإنما الهدف هو الوصول إلي صالح الفرد والجماعة معاً .
وقد يساعد في الوصول إلى هذا الهدف قيام المشرفين التربويين بتخطيط بعض الدروس، وتنفيذها على شكل فريق يحتوي على المشرف التربوي، و أكثر من معلم مما يعود المعلمين على العمل في وجود آخرين .
- بعض المشكلات المهنية التي تواجه المعلم المبتدئ بصفة خاصة :
نظراً لقلة خبراته بميدان التعليم ويكتسب المعلم مناعة ضد هذه المشكلات مع مرور الزمن بازدياد خبراته في العمل الميداني.
ومن أهم هذه المشكلات الشعور بالغربة داخل المدرسة والمواجهة الأولى مع الطلاب وتوفير المواد والأجهزة التعليمية اللازمة للتدريس و إنما بعض المهام الروتينية للمعلم وهو ما سنتناوله بشيء من الإيجاز فيما يلي:
- أولا/ الشعور بالغربة :
قد يشعر المعلم في الأسابيع الأولى من وجوده في المدرسة بالغربة في هذا المكان الجديد, وهذا شعور طبيعي لأي شخص يدخل إلى مكان غير مألوف لديه, فمثل هذا الشعور لا يزعج بأي حال من الأحوال.
ولعل السبب في هذا الشعور هو عدم المعرفة الكافية بمكونات المكان, وعدم معرفة أسماء الأشخاص وطباعهم, وربما كيفية التعامل معهم, ولعلك تتذكر أن هذا الشعور قد انتابك في كل مرحلة دراسية عندما كنت تنتقل إلى مدرسة جديدة, أو عند التحاقك بالجامعة وسرعان ما يزول هذا الشعور عندما تجد شخصا يتبادل معك الحديث, ويصبح صديقا لك, وهو ما يحدث أيضا في مدرستك الجديدة, لذا, فقد يكون في الاقتراحين التاليين تخفيف لحدة هذه الظاهرة, وتقليل لأثرها فيك:
محاولة التعرف بأسرع ما يمكن على واحد ـ أو أكثرـ من معلمي المدرسة, بغرض الاستفادة منه في تنظيم أو الشرح بعض الأمور لك, أو حضور بعض الدروس معك, وسوف يؤدي ذلك إلى وجود شخص تألفه وتتحدث معه, وهو بدوره سيتبنى تقديمك لبقية زملائه, ومن ثم تنتهي مشكلة غربتك بسرعة.
سرعة البحث عن جماعات النشاط التي توافق ميولك ي المدرسة ,وبحث إمكانية مشاركتك في تنظيم هذا النشاط, أو المعاونة في الإشراف عليه, ومن الطبيعي أن تكون بحكم موقعك هذا مضطراً للتعامل مع كثير من المعلمين والطلاب, فتتعرف عليهم وتحتك بهم, وتنتهي بسرعة مشكلة غربتك أيضاً.
- ثانيـاً/ المواجهة الأولى :
في أول مرة يدخل المعلم يدخل إلى غرفة الصف ليواجه الطلاب - على الرغم من تدريبه على التدريس في أثناء التربية العملية- تنتابه مجموعة من مشاعر القلق قبل الدرس الموعود، ونود أن نطمئن كل معلم مبتدئ إلى أن كل هذه المشاعر طبيعية ومعتادة فهو مقدم على اليوم الذي ينتقل فيه من عالم الطلاب إلى عالم المعلمين الحقيقيين, ومن الطبيعي أن يكون لهذا اليوم التاريخي, ولهذه اللحظات انفعالاتها ومضامينها النفسية المتعددة.
وليس لأيٍِ من هذه المشاعر إلا المرور فيها, ومع ذلك فهناك بعض النصائح التي نقدمها للمعلم الجديد للتقليل من هذه الانفعالات ولعل من أبرز هذه النصائح ما يلي:
* حاول زيارة بعض المعلمين ومشاهدة دروسهم بصورة مكثفة لتألف المدرسة وغرفة الصف قبل أن تقوم بأول مواجهة منفردة لك مع الطلاب.
* احرص على أن تشترك مع بعض المعلمين في فريق للتدريس في الشهور الأولى من مباشرتك العمل , بحيث توكل إليك في كل مرة مهام محددة في أثناء التدريس, على ألا تستغرق هذه المهام أكثر من بضع دقائق من العمل الفعلي, بينما تستغل باقي الوقت في متابعة زملائك أعضاء الفريق, وقد تزيد من المدة المواجهة درسـاً بعد أخر ليصل إلى درس كامل بصورة تدريجية, وعند قيامك بالتدريس أمام الفريق احرص على أن تستمع إلى آرائهم وتوجيهاتهم دون حساسية, فهم عين أمينة يقدمون لك صورة حقيقية يصعب عليك رؤيتها في أثناء انهماكك في العمل.
- ثالثــاً/ معالجة النظم اليومية (روتينيات التدريس )
ثمة أمر مربك للمعلم المبتدئ, وهو إنهاء بعض المهام الروتينية اليومية في المدرسة, وهذا الارتباك طبيعي, لأن المعلم لم يتدرب على الأمور المتعلقة بروتينيات التدريس, كحصر غياب الطلاب, والتوقيع على البيان الخاص بذلك, والإطلاع على التعميمات والتوقيع عليها بالعلم, والاستجابة لطلبات المدير أو الوكيل بإخراج طالب من الصف أو إعادته إليه, وكل هذه الأمور لم يألفها المعلم, لأنها لم تدرس له في المحاضرات, ولم يقرأها في كتب دراسية.
ولذلك فإننا نشير إليها هنا من باب الاهتمام بمثل هذه الأمور البسيطة التي تضل بمهام المعلم في الموقف التدريس فالمعلم يجب أن يقوم بمحضر الغياب في بداية الدرس, ويجب أن ينتبه لمن يطرق باب غرفة الصف ليعرف ماذا يريد, كما يجب أن يستفسر ممن يتأخر من الطلاب عن سبب تأخيره: وهكذا, فإن هناك الكثير من مثل هذه الأمور التي يجب أن لا تغيب عن انتباه المعلم, أو تقع خارج دائرة اهتمامه في أثناء وجوده داخل غرفة الصف.
ويجب أن نشير إلى عدم انتباه المعلم إلى مثل هذه الأمور, وتركه الطلاب وغيرهم يدخلون ويخرجون من الصف دون وعي أو انتباه منه مما يفقده القدرة على التحكم في النظام, ويقلل من قدرته على ضبط الصف.
- رابعًـا/ توفير المواد والأجهزة التعليمية :
يحتاج المعلم عند بدء عمله في المدرسة إلى مواد تعليمية متنوعة, كالكتب الدراسية وكتاب المعلم- إن وجد- و الوسائل التعليمية المختلفة, والأجهزة التعليمية التقنية التي تستخدم في التدريس ويواجه المعلم في بداية فترة عمله مشكلة الحصول على هذه الأشياء الضرورية, بل ومعرفة مصادر الحصول عليها.
والحل الأمثل لمثل هذه المشكلة هو استشارة المشرف التربوي, ومدير المدرسة, فلديهم من الخبرة و المعرفة ما يكفي لتوفير مستلزمات المعلم من المواد التعليمية, أو لتوجيهه الوجهة الصحيحة التي توفر وقته وجهده, وتمكنه من الحصول على ما يريد دون عنا.
كما يمكن أن يلجأ المعلم إلى استشارة زملائه القدامى, وزيارة مستودع الوسائل التعليمية في المدرسة, ولا بأس من زيارة أقرب مركز مجاور للوسائل التعليمية خلال الأسابيع الأولى من بداية الدراسة, فكل ذلك يوفر للمعلم خبرة كافية لتجاوز هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن .